فصل: تفسير الآية رقم (17):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)}
مَنْ ظَنَّ أنه يُقْنَعَ منه بالدعوى- دون التحقق بالمعنى- فهو على غَلَطٍ في حسبانه. والذي طالبهم به من حيث الأمر صِدْقُ المجاهدةِ في الله، وتَرْكُ الركونِ إلى غير الله، والتباعدُ عن مساكَنَةِ أعداءِ الله.. ثِقةً بالله، واكتفاءً بالله، وتبرِّيًا من غير الله.
وهذا الذي أمرهم به ألا يتخذوا من دون المؤمنين وليجةً فالمعنى فيه: ألا يُفْشُوا في الكفارِ أسرارَ المؤمنين.
وأولُ مَنْ يهجره المسلمُ- لئلا تَطَّلِعَ على الأسرار- نَفْسُه التي هي أعدى عدوِّه، وفي هذا المعنى قال قائلهم:
كتابي إليكم بعد موتي بليلةٍ ** ولم أدرِ أَنِّي بعد مَوْتِيَ أكتب

ويقال: إن أبا يزيد- فيما أُخْبِرَ عنه- أنه قال للحقِّ في بعض أوقات مكاشفاته: كيف أطلبك؟ فقال له: فَارِقْ نَفْسَكَ.
ويقال إن ذلك لا يتمُّ، بل لا تحصل منه شظيَّة إلا بكَيِّ عُرُوقِ الأطماعِ والمطالباتِ لِمَا في الدنيا ولِمَا في العُقبى ولِمَا في رؤية الحال والمقام- ولو بِذَرَّةٍ. والحريةُ عزيزةٌ قال قائلهم:
أتمنى على الزمانِ مُحَالًا ** أَنْ ترى مُقْلَتَايَ طَلْعَةَ حُرِّ

. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم} من النفوس المشركة التي اتخذت الهوى وصنم الدنيا معبودًا فهادنها الروح والقلب في أوان الطفولية لاستكمال القالب وتربيته {فسيحوا} في أرض البشرية {أربعة أشهر} هي مدة كمال الأوصاف الأربعة: النباتية والحيوانية والشيطانية والإنسانية {وأذان من الله ورسوله} إلى الصفات الناسوتية {يوم الحج الأكبر} يوم الوصول إلى كعبة الجمال والحج الأصغر الوصول إلى كعبة القلب إن زيارة كعبة الوصال حرام على مشركي الصفات الناسوتية {فإن تبتم} عن الناسوتية بإفنائها في اللاهوتية {فهو خير لكم} من قيامكم بالناسوت {وإن توليتم} ركنتم إلى غير الله: {فاعلموا أنكم غير معجزي الله} عن التصرف فيكم. أما لأهل السعادة فبالجذبات الأزلية، وأما لأهل الشقاوة فبأليم عذاب القطيعة {إلا الذين عاهدتم} أيها القلوب والأرواح من مشركي النفوس على التوافق في العبودية {ثم لم ينقصوكم} شيئًا من وظائف الشريعة {ولم يظاهروا عليكم أحدًا} من الشيطان والدنيا {فأتموا إليهم عهدهم} بالمداراة والرفق إلى أوان طلوع قمر العناية ونجم الجذبة والهداية.
{فإذا انسلخ الأشهر الحرم} استكملت مدة التربية تمام الأوصاف الأربعة {فاقتلوا} النفوس المشركة بسيف النهي عن الشهوات {حيث وجتموهم} في الطاعة بأن تكلفوها إياها وفي المعصية بأن تزجروها عنها {وخذوهم} بآداب الطريقة {واحصروهم} احبسوهم في حصار الحقيقة {واقعدوا لهم كل مرصد} راقبوهم في الأحوال كلها {فإن تابوا} رجعوا إلى طلب الحق {وأقاموا الصلاة} أدّوا حق العبودية {وآتوا الزكاة} تزكت عن الأخلاق الذميمة {فخلوا سبيلهم} اتركوا التشديد عليهم بالرياضات ليعملوا بالشريعة بعد الوصول إلى الحقيقة فإن النهاية هي الرجوع إلى البداية {وإن أحد} من مشركي صفات النفس {استجارك} يا قلب لترك ما هو المخصوص به من الصفات الذميمة {فأجره حتى يسمع كلام الله} حتى يلهم بإلهام {ثم أبلغه مأمنه} وهو وارد الجذبة الإلهية، وإن الجذبة إذا تعلقت بصفة من صفات النفس تنجذب النفس بجميع صفاتها {ذلك بأنهم قوم لا يعلمون} الله وأسراره فلا يميلون إليه ويعلمون الدنيا وشهواتها فيركنون إليها.
{كيف يكون} لمشركي النفوس ثبات على العهد وقد جبلت ميالة إلى السفليات وغايتها بعد إصلاح حالها أن تميل إلى نعيم الجنات {إلا الذين عاهدتم عند المسجد الحرام} وهو مقام الوصول المحرم على أهل الدنيا وهو مقام أهل الله وخاصته، الذين تنورت نفوسهم بأنوار الجمال والجلال فيثبتها الله على العهد بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة {فما استقاموا لكم} على الصراط المستقيم {فاستقيموا لهم} بشرحها في متسع رياض الشريعة {ولا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة} لا يحفظوا حقوق الجنسية فإن الأرواح والقلوب والنفوس مزدوجة في عالمي الأمر والخلق {يرضونكم} بالأعمال الظاهرة {وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون} فيما يعملون خارجون عن الصدق والإخلاص {اشتروا} بدلالات توصلهم إلى الله: {ثمنًا قليلًا} من متاع الدنيا ومصالحها {فصدّوا عن سبيله} قطعوا طريق الحق على الأرواح والقلوب {فإخوانكم في الدين} رفقاؤكم في طلب الحق فارعوا حقوقهم فإن لنفسك عليك حقًا.
{لقوم يعلمون} أن السير إلى الله من أعظم المقامات وأهم المهمات {وطعنوا في دينكم} أنكروا مذهب السلوك {أئمة الكفر} النفوس {وهموا بإخراج الرسول} يعني الواردات الغيبية بانسداد روزنة القلب {أول مرّة} في أوان الطفولية.
{أتخشونهم} في فوات حظوظهم {فالله أحق أن تخشوه} بفوات حقوقها.
{ويذهب غيظ قلوبهم} يعني وحشة الأرواح والقلوب وكدورتها {ويتوب الله على من يشاء} بالرجوع إلى الحق قبل التمادي في الباطل من غير حاجة إلى رياضة شديدة {والله عليم} باستعدادات النفوس {حكيم} فيما يدبر لكل منها.
{أم حسبتم} أيها النفوس الأمارة {أن تتركوا} بلا رياضة {وليجة} أولياء من الشيطان والدنيا والهوى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (17):

قوله تعالى: {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ (17)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما حذرهم من اتخاذ وليجة من دونه، شرع يبين أن الوليجة التي يتخذها بعضهم لا تصلح للعاطفة بما اتصفت به من محاسن الأعمال مالم توضع تلك المحاسن على الأساس الذي هو الإيمان المبين بدلائلة، فقال سائقًا له مساق جواب قائل قال: إن فيهم من أفعال الخير ما يدعو إلى الكف عنهم من عمارة المسجد الحرام وخدمته فيهم من أفعال الخير ما يدعو إلى الكف عنهم من عمارة المسجد الحرام وخدمته وتعظيمه! {ما كان للمشركين} عبر بالوصف دون الفعل لأن جماعة ممن أشرك أسلم بعد ذلك فصار أهلًا لما نفى عنهم {أن يعمروا مساجد الله} أي وهو المنزه بإحاطته بصفات الكمال؛ قال البغوي: قال الحسن: ما كان للمشركين أن يتركوا فيكونوا أهل المسجد الحرام، ثم قال في توجيه قراءة الجمع: قال الحسن: إنما قال: مساجد الله، لأنه قبلة المساجد كلها- يعني فعامره عامر جميع المساجد، ويجوز أن يراد الجنس، وإذا لم يصلحوا لعمارة الجنس دخل المسجد الحرام لأنه صدر الجنس، وذلك آكد لأنه بطريق الكناية- قال الفراء: وربما ذهب العرب بالواحد إلى الجمع وبالجمع إلى الواحد، ألا ترى أن الرجل يركب البرذون فيقول: أخذت في ركوب البراذين، ويقال: فلان كثير الدرهم والدينار- انتهى.
فتحرر أن المعنى: منعهم من إقامة شعائره بطواف أو زيارة أو غير ذلك لأنهم نجس- كما يأتي {شاهدين على أنفسهم} أي التي هي معدن الأرجاس والأهوية {بالكفر} أي بإقرارهم، لأنه بيت الله وهم يعبدون غير الله وقد نصبوا فيه الأصنام بغير إذنه وادعوا أنها شركاؤه، فإذن عمارتهم تخريب لتنافي عقدهم وفعلهم، قال البغوي: قال ابن عباس- رضى الله عنهما-: شهادتهم سجودهم للأصنام، وذلك أنهم كانوا نصبوا أصنامهم خارج البيت الحرام عند القواعد وكانوا يطوفون بالبيت عراة، كلما طافوا شوطًا سجدوا لأصنامهم.
ولما نفي قبيحُ ما يفعلون حسن ما يعتقدون، أشار إلى بعدهم عن الخير بقوله: {أولئك حبطت أعمالهم} أي من العمارة والحجابة والسقاية وغير ذلك، فسدت ببطلان معانيها لبنائها على غير أساس {وفي النار هم} أي خاصة ومن فعل كفعلهم فهو منهم {خالدون} أي بجعلهم الكفر مكان الإيمان. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{مسجد الله} ابن كثير وأبو عمرو وسهل ويعقوب. الباقون: على الجمع {يبشرهم} خفيفًا: حمزة {وعشيراتكم} على الجمع: أبو بكر وحماد وجبلة {وضاقت} ونحو ممالة: حمزة {رحبت ثم} مظهرًا: أبو جعفر ونافع وابن كثير وخلف ويعقوب وعاصم غير الأعشى.

.الوقوف:

{بالكفر} ط {أعمالهم} ج لعطف المختلفين {خالدون} o {المهتدين} o {في سبيل الله} ط {عند الله} ط {الظالمين} o لئلا يشتبه بالوصف {وأنفسهم} لا لأن ما بعده خبر الذين {عند الله} ط {الفائزون} o {مقيم} o لا لأن ما بعده حال {أبدًا} ط {عظيم} o {على الإيمان} ط {الظالمون} o {بأمره} ط {الفاسقين} o {كثيرة} لا لعطف الظرف على الظرف {حنين} لا لأن إذ ظرف {نصركم}.
{مدبرين} o ج للآية والعطف.
{كفروا} ط {الكافرين} o {من يشاء} ط {رحيم} o {هذا} ج {إن شاء} ط {حكيم} o. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ}
في الآية مسائل:

.المسألة الأولى: [نفي الله عمارة المساجد عن المشركين]:

اعلم أنه تعالى بدأ السورة بذكر البراءة عن الكفار وبالغ في إيجاب ذلك وذكر من أنواع فضائحهم وقبائهم ما يوجب تلك البراءة، ثم إنه تعالى حكى عنهم شبهًا احتجوا بها في أن هذه البراءة غير جائزة وأنه يجب أن تكون المخالطة والمناصرة حاصلة، فأولها ما ذكره في هذه الآية، وذلك أنهم موصوفون بصفات حميدة وخصال مرضية وهي توجب مخالطتهم ومعاونتهم ومناصرتهم، ومن جملة تلك الصفات كونهم عامرين للمسجد الحرام قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما أسر العباس يوم بدر، أقبل عليه المسلمون فعيروه بكفره بالله وقطيعة الرحم، وأغلظ له علي.
وقال: ألكم محاسن فقال: نعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي الحاج ونفك العاني، فأنزل الله تعالى ردًا على العباس {مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَن يَعْمُرُواْ مَسَاجِدَ الله}.

.المسألة الثانية: [في أقسام عمارة المساجد]:

عمارة المساجد قسمان: إما بلزومها وكثرة إتيانها يقال: فلان يعمر مجلس فلان إذا كثر غشيانه إياه، وإما بالعمارة المعروفة في البناء، فإن كان المراد هو الثاني، كان المعنى أنه ليس للكافر أن يقدم على مرمة المساجد وإنما لم يجز له ذلك لأن المسجد موضع العبادة فيجب أن يكون معظمًا والكافر يهينه ولا يعظمه، وأيضًا الكافر نجس في الحكم، لقوله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] وتطهير المساجد واجب لقوله تعالى: {أَن طَهّرَا بَيْتِىَ لِلطَّائِفِينَ} [البقرة: 125] وأيضًا الكافر لا يحترز من النجاسات، فدخوله في المسجد تلويث للمسجد، وذلك قد يؤدي إلى فساد عبادة المسلمين.
وأيضًا إقدامه على مرمة المسجد يجري مجرى الإنعام على المسلمين، ولا يجوز أن يصير الكافر صاحب المنة على المسلمين.